#الإدارة_الذاتية.. نموذج حقيقي مُطبق لخروج سوريا من النفق المظلم
في الوقت الذي كانت المناطق السورية المختلفة تتعرض فيه للتدمير ويُهجّر شعبها ويُقتل، كان هناك نموذج ديمقراطي في الإدارة يتطور في مناطق شمال وشرق سوريا جنبًا إلى جنب مع الحرب ضد الإرهاب، يستطيع أن يكون نموذجًا للإدارة في سوريا ككل.
مراحل تأسيس الإدارة وبماذا تختلف عن أنظمة الحكم الأخرى
يصادف يوم السادس من أيلول، الذكرى السنوية الثالثة لتأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، وذلك بعد تحرير المنطقة من داعش وتشكيل 7 إدارات ذاتية ومدنية فيها، من أجل توحيد القرارات والعمل المشترك لخدمة شعوب المنطقة التي عانت كثيرًا من سياسات التفرقة والتمييز إبان حكم البعث وما تلاه من معاناة في الأزمة على يد المجموعات المرتزقة وداعش وجبهة النصرة.
كيف أُسست؟
إن ثورات الشعوب التي بدأت في المنطقة عام 2010 ضد أنظمة الحكم المستبدة، وصلت إلى سوريا في ربيع عام 2011، ولكن سرعان ما انحرفت هذه الثورة بفعل التدخلات الخارجية، خصوصًا من قبل تركيا وقطر، وبذلك أدرك الشعب السوري أن ما يجري هو صراع على السلطة بين طرفين يتلقى أحدهما الدعم من المسلمين السنة والآخر من المسلمين الشيعة.
وعلى هذا الأساس اتخذ الكرد في روج آفا، على عاتقهم قيادة الثورة وسعوا مع بقية الشعوب العربية والسريانية – الآشورية، الأرمنية، التركمانية والشركسية، إلى بناء نظام ديمقراطي يمثلهم جميعًا، ولهذا جاءت ثورة 19 تموز عام 2012 التي انطلقت من كوباني.
وفي الذكرى السنوية الأولى لثورة 19 تموز، تم طرح مشروع الإدارة المرحلية للمنطقة، والذي لاقى ترحيبًا من كافة الشرائح والمؤسسات والأحزاب السياسية، وعلى هذا الأساس اتفق مجلس شعب روج آفا والمجلس الوطني الكردي في سوريا على تبني المشروع والعمل من أجل تنفيذه ووقّع المجلسان في 8 أيلول/سبتمبر 2013 على 9 بنود للسير بالمشروع.
وعلى هذا الأساس شُكلت لجان للاجتماع مع المكونات الأخرى في المنطقة من “العرب، السريان – الآشور، الشيشان، الأرمن، التركمان ….” بغية طرح المشروع، حيث تم اللقاء بهم قبل الإعلان الرسمي عن الإدارة المرحلية ووافق ممثلو أغلب المكونات على مبدأ المشروع، وشاركوا فيه.
ولكن مع الإعلان عن الملامح الأولى للمشروع الديمقراطي بدأت القوى الخارجية بمعاداته وعلى رأسها تركيا، وذلك عبر شن هجمات عسكرية، سياسية واقتصادية، إذ تعرضت المنطقة لهجمات عنيفة من قبل المجموعات المرتزقة التابعة لداعش وجبهة النصرة وغيرها من المجموعات التي كانت تطلق على نفسها اسم “الجيش الحر” وذلك بتوجيه مباشر من تركيا.
فيما تمثلت الهجمات الاقتصادية بفرض حصار خانق على مدن ومناطق روج آفا وإغلاق المعابر الحدودية، وذلك من قبل تركيا والنظام البعثي، وساعدهم في ذلك أيضًا الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أغلق معبر سيمالكا الوحيد مع المنطقة.
أما الهجمات السياسية فكانت مرتبطة بالحصار الاقتصادي، حيث تم منع العديد من الجهات والأطراف والحركات السياسية من الدخول إلى شمال وشرق سوريا.
وبعد أن شارف المشروع على رسم خطوطه الأخيرة، وقبل الإعلان عنه بشكل رسمي بيوم واحد، انسحبت بعض أحزاب المجلس الوطني الكردي منه، دون أن تقدم سببًا واضحًا للانسحاب، لقد كان هدفها الحقيقي إفشال المشروع، إلا أن المشروع أعلن وبشكل رسمي عن أول مؤسساته في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 التي سميت بالمجلس العام التأسيسي للإدارة المرحلية المشتركة، وانبثق عنه هيئة متابعة إنجاز المشروع لإعداد وصياغة مختلف الوثائق وبشكل توافقي والتي استمرت بالعمل حتى تم الإعلان رسميًّا عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في ثلاث مقاطعة “الجزيرة” في 21 كانون الثاني/يناير 2014 وتبعتها مقاطعتا عفرين وكوباني بإعلان إداراتها الذاتية في الشهر ذاته، والتي تعتبر من أهم الخطوات التاريخية في ثورة روج آفا.
وخلال هذا الاجتماع أدى رئيس المجلس التنفيذي ونائباه ورؤساء الهيئات الـ 22 القسم الدستوري في الإدارة الذاتية الديمقراطية أمام المجلس التشريعي والذي كُتب باللغات الثلاث الرسمية في مقاطعة الجزيرة “الكردية، العربية والسريانية”، وقرأ الأعضاء القسم، كل بلغته الأم.
إدارة موحدة لشمال وشرق سوريا.
إن الشعوب التي تكاتفت معًا في إعلان الإدارة الذاتية، حاربت معًا المجموعات المرتزقة وداعش، وكانت مناطق شمال وشرق سوريا تتحرر تدريجيًّا من داعش، ومع تحرير كل منطقة كانت شعوبها تعلن عن إدارتها الذاتية أو المدنية.
ومع تحرير مدينة الرقة التي أعلنها داعش كعاصمة لخلافته المزعومة، وذلك في تشرين الأول عام 2017، كانت هناك 7 إدارات مدنية وذاتية في شمال وشرق سوريا هي “الجزيرة، عفرين، الفرات، منبج وريفها، الرقة، الطبقة، دير الزور”، وعلى هذا الأساس أقر مجلس سوريا الديمقراطية في مؤتمره الثالث الذي عُقد في 16 تموز 2018، بضرورة تشكيل هيكل إداري ينسق الخدمات فيما بين المناطق المحررة والإدارات الذاتية الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا.
وشُكلت اللجنة التحضيرية لتشكيل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بتاريخ 6 أيلول 2018 خلال اجتماع ضم 70 عضوًا من مختلف الإدارات في شمال وشرق سوريا في مقر مجلس سوريا الديمقراطية بناحية عين عيسى.
وخلال هذا الاجتماع تم الإعلان عن الإدارة الذاتية التي تتألف من المجلس العام للإدارة الذاتية، المجلس التنفيذي، ومجلس العدالة.
ويتألف المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من 70 عضو وعضوة، وتم انتخاب كل من “سهام قريو وفريد عطي” كرئاسة مشتركة للمجلس العام، وانتخب الديوان العام للمجلس المؤلف من 5 أعضاء.
ويعقد المجلس العام جلساته كلما دعت الحاجة، للمصادقة على الأنظمة والقوانين الصادرة عن المجلس التنفيذي ومناقشة المشاكل والصعوبات التي تواجه الإدارات السبعة ومشاكل الأهالي في مناطق الإدارة الذاتية، بحيث يعدّ القرار نافذًا بعد التصويت عليه من قبل غالبية أعضاء المجلس.
وتم تكليف عبد حامد المهباش وبريفان خالد كرئاسة مشتركة للمجلس التنفيذي، ومهمتها تشكيل هيئات ومكاتب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومنح المجلس العام الثقة للهيئات والمكاتب المشكلة بتاريخ 3 تشرين الأول 2018، والمصادقة على أنظمتها الداخلية فيما بعد عبر جلسات خاصة.
ويضم المجلس التنفيذي ضمن هيكليته التنظيمية 10هيئات و7 مكاتب ودائرة واحدة، وهي كالتالي:
الهيئات: “الاقتصاد والزراعة، الصحة والبيئة، المالية، التربية والتعليم، الداخلية، الشؤون الاجتماعية والعمل، المرأة، الثقافة، الشباب والرياضة، والإدارة المحلية”.
المكاتب: “الدفاع، الأديان والمعتقدات، الاستشارة، الإعلام، النفط والثروات الباطنية، التنمية والتخطيط، الشؤون الإنسانية”.
الدوائر: “دائرة العلاقات الخارجية”.
أمامجلس العدالة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فيتألف من 13 عضوًا من أصحاب الخبرات والشهادات الحقوقية ولهم باع طويل في العمل الحقوقي، وتم ترشيحهم من قبل اللجنة التحضيرية، وتم إعلان تشكيل مجلس العدالة في 25 نيسان 2019.
الفرق بينها وبين أنظمة الحكم الأخرى.
ماذا قدمت الإدارة الذاتية؟
إن مناطق شمال وشرق سوريا تعرضت للهجمات منذ بداية الأزمة السورية، وهذا خلّف ضررًا كبيرًا في مختلف المستويات، لذا حملت الإدارة الذاتية على عاتقها إعادة ترميم ما تم تدميره.
وفي هذا السياق، أشارت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي بيريفان خالد، إلى أنه بعد تحرير المنطقة من مرتزقة داعش والتي كان آخرها تحرير بلدة الباغوز في ريف دير الزور في 23 آذار 2019، حملت الإدارة الذاتية على عاتقها إعادة ترميم البنى التحتية، ودعم القطاع الزراعي، الاقتصادي والقطاع الصحي الذي كان شبه مدمر، بالإضافة لقطاع التربية والتعليم.
وقدمت الإدارة الخدمات الأساسية للمواطنين منذ تأسيسها، كإعادة تأهيل القطاع الخدمي من مياه وكهرباء وطرق وغيرها والسعي إلى توفير احتياجاتهم الأساسية، ووضع القوانين التي تنظم المنطقة.
وبحسب بيريفان خالد، فإنهم ركزوا في خططهم الاستراتيجية في البداية على الأولويات، كون المنطقة كانت مدمرة نتيجة الهجمات التي تعرضت لها سواء من قبل داعش أو تركيا.
وعلى الصعيد الخارجي، وسّعت الإدارة الذاتية من علاقاتها الخارجية، وهذا ما كان واضحًا في زيارة الوفود وعقد اتفاقات دولية، أهمها الاتفاق الذي عُقد مع الأمم المتحدة لمنع تجنيد الأطفال في شهر تموز/ يوليو عام 2019، إضافة إلى اتفاق النفط مع شركة أمريكية.
أهم قوانين الإدارة الذاتية
نظرًا للهجمات التي تتعرض لها المنطقة من قبل داعش والمجموعات المرتبطة بالنظام البعثي والهجمات التركية، كان للدفاع الذاتي عن المنطقة أهمية كبيرة، لذلك كان لابد من إصدار قانون خاص بأداء واجب الدفاع الذاتي، حيث تم تعديل قانون واجب الدفاع الذاتي الذي أصدر في 21 تموز 2014 والذي يتضمن تقديم كل أسرة أحد أفرادها ممن تتراوح أعمارهم بين 18 – 30 سنة لأداء واجب الدفاع الذاتي.
ونظرًا لما تشكله العمليات الإرهابية من خطورة كبيرة على المجتمع وتهديدها للسلم الأهلي، ونظرًا لجسامة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن أفعالها الإرهابية وتأثيراتها المدمرة، كان من الضروري إصدار قانون مكافحة الإرهاب لضمان السلام والأمن والاستقرار في المجتمع، حيث أصدر المجلس قانون مكافحة الإرهاب بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر عام 2014.
الكل يطمح بسوريا لامركزية تعكس حقيقة تنوع المجتمع السوري
وعلى مدار الثلاث سنوات الماضية من تشكيل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تعرضت للعديد من الهجمات الداخلية والخارجية، إلا أن صمودها حتى هذه اللحظة وبقاء مشروعها السياسي الديمقراطي قائمًا بحسب المراقبين هي الرسالة الأكثر قوةٍ للمتربصين بها، وتدل على مدى إيمان شعوب المنطقة بأن هذا النموذج هو المخرج الوحيد لسوريا نحو حل سياسي يضمن حقوق كافة مكونات الشعب السوري وفق رؤية اللامركزية التي باتت غالبية أطياف المعارضة الحقيقية تؤمن بها.