#من تاريخ الرقة_مصطفى الحسون بين تقليد وتجديد
بقلم عبد الله ابو هيف
ولد مصطفى الحسون في مدينة الرقة عام 1928 من اسرة متوسطة الحال هي اقرب الى الفقر منها الى الغنى ونال الشهادة الابتدائية في مدينته وتابع دراسته الثانوية في حلب وتخرج منها عام 1948 وسبقت هذا التاريخ وفاة والده ولم يكن هناك من يعيله فاضطر الى العمل في مجال التعليم طلبا للقمة العيش بعد ان ذاق مرارة اليتم والفاقة .
لم يكن في استطاعه ان يتابع دراسته فنما ميله الى المطالعة وبخاصة الكتب التاريخية حتى خرج الى الشعر ونظمه ولقد كانت الرقة في هذه الفترة قرية صغيرة جذبته آثارها الى دراستها ومعرفة كنة اسرارها سيما وقد صار يسمع من الناس ارتباطها بهارون الرشيد الخليفة العباسي فولدت لديه رغبة بمطالعة كتب التاريخ ومعرفة مدى ارتباطها بهذه الاثار فدرس المراجع والمصادر المختلفة سواء في مجالاتها السياسية او الحضارية حتى تكونت لديه مجموعة من المعلومات والبحوث موزعة في اوراق لو جمعت لبلغت عدة مجلدات.
حاضر الحسون كثيرا عن تاريخ مدينته ويعتقد ان معلوماته حول هذا الموضوع يمكن ان تتضمن عدة مجلدات لم يتيسر له تصنيفها وتبويبها لاسباب نفسية وشخصية ومنذ خمس سنوات يعمل في دائرة آثار الرقة ومواصلة ترميم الاثار فيها منتدبا عن وزارة التربية ويحظى باحترام مدينته على ان ديوان مصطفى الحسون لا يزال مخطوطا مما يدعونا الى تجديد النداء لوزارة الثقافة ان تعمد الى طبع ديوانه وبحوثه الهامة فهو ليس شابا يحتاج الى التشجيع بل اديب يدخل الشيخوخة بعد ان افنى زهرة عمره في عشق مدينته وتاريخها واثارها فكتب فيها اجمل الشعر واوسع الكتب فقد جاوزت بحوثه عددا من المجلدات.
مصطفى الحسون شاعر مطبوع ولكنه يقبل على التجديد من منظور حداثة عندما يرفض تقسيم القصيدة الى موضوعات تقليدية لان ذلك يفقد القصيدة الجوهر الذي ينبغي لها ان تعبر عنه خلاف ماكان عليه الاقدمون من عرض عدة موضوعات لا رابط بينها احيانا فالقصيدة عنده وحدة موضوعية وتدور حول مضمون واحد وهي اشبه بلوحة واحدة مرسومة بعدة الوان مترابطة ترابطا فنيا .
لتخلص في هذا الترابط الى الموضوع المراد التعبير عنه وفي هذا البناء يعيد الشاعر موقفه الكلي من العالم او رؤيته الكلية ولناخذ مثالا قصيدته”قصر الحيرة”كما يراها الشاعر نفسه وهذه القصيدة معارضة لسينية البحتري في “ايوان كسرى”ان قصيدة البحتري تاتي وكأنها مجموعة لوحات تختلف الواحدة عن الاخرى في لونها في حين ان قصيدة الحسون تكاد تكون لوحة واحدة وان تغيرت الوانها في كل بيت فالبحتري بعد ان وصف خلجات نفسه واحزانه وركوب ناقته الى الايوان وصف الايوان ومناظر الجيوش وغير ذلك مما يعثر الموضوعات وشتتها في صور لا ترابط بينها على الرغم من قدرته الفائقة في البناء الشعري فان القصيدة “قصر الحيرة”ترد لوحة واحدة كلها في وصف القصر متمنح الرؤية الكاملة للقصر ككل بوصفها رؤية الشاعر للتاريخ وهذا مطلعها :
راع منها السنون من بعد انس
رائعات الفنون من عبد شمس
وبقايا طلولها شاخصات
يصبح البوم في ذراها ويمسي
اعولت حولها الرياح الثكالى
واقامت مآتما بعد عرس
ودموع الغيوث رقش عليها
مثل رقش النبال في خد ترس
انستني الديار تروي حديثا
وحديث الديار ايناس نفسي
كلما غاب طائف من خيال
شاغلتني بطائف مثل همس
وقف الصب في خشوع عليها
بعيون شؤونها غير حبس
لقد نظر الى هذه البنية من قصرين للخليفة الاموي هشام بن عبد الملك في بادية الشام على انها حضور التاريخ العربي في معاناة واقع الحال ولما راى__مارأى _من قتامة وسواد فيما آل اليه البنيان رمز العمران ففي هذه الاثار الدارسة تهفو روح الشاعر الى الشعر لانه الربيع الدائم:
اتراها جنائن القصر اقوت
اهي قفر البقاع من غير غرس؟
ام تراها تنفس النور فيها
من شميم الشآم اطياب نفس؟
هسهس السبل في الرمال السوافي
بعد نعس من الخطوب ونكس
وسواري النجوم اطلعن فيه
غب سعد السعود طلعة نحس
شامخ الصرح في التنائف عال
واعتلى الشعر شامخا بعد نبس
في برود من البيان نظيمات
كوشي الربيع من غير لبس
وهذا مايجعل شعر الحسون وكأنه ينتمي الى القرن الرابع الهجري وما سلفه ويتبدى هذا الانتماء في الوفاء لتقاليد الشعر العربي القديم في اللغة والصياغة الجمالية والبنية الشعرية الشامخة الا ان حصر التجديد يكمن في وحدة الموضوع طلبا لوحدة الاثر ازاء مايعتمل في وجدان الشاعر ان قصيدته الرائعة الجمال والبيان حوار دائم الحيوية والنضارة والتجديد بين الفن والحياة بين المرأة والقصيدة نزوعا الى مثالية مفرطة فقد آن للحياة ان تنسرب في مجد الشعر كما يرى الشاعر الحسون تنقل الينا القصيدة صراعا داخليا عنيفا في نفس الشاعر الملهوفة الحائرة المترددة بين المثال والجسد:
سحر البيان من الجمال اليفه
هذا لهذا خذنه ورديفه
وضرائب الاشياء ضد بائن
عن ضده ومحالف وحليفه
بين القصيدة والجميلة مشبه
وصفا بديعا ضمه موصوفه
…يمتاز شعر مصطفى الحسون من جهة اخرى بعناصر تجديد فهو شاعر يكتب بوح نفسه لا مادحا ولا هاجيا ولا معتذرا بل تدور قصائده في مدار قضيته في الحياة :اشواقه واشجانه وقد مازجت شرطه الانساني الفقير وانخرطت في الهموم العريضة لوطنه وامته وقد جعل هذا البوح من القصيدة ميدانا لرحابة الرؤيا وخصوبة التناقض بين الحلم والواقع فليس شعرالحسون الا مكابدة للواقع وتشوفا للحلم في قصيدة “غلل الماء”تصير الواقعة البسيطة الى موقف شامل من الحب عبر الحاح درامي يقلل من شأن الغنائية ويتيح للدفق الشعري ان ينقى وان يجري في مجراه:
تمايل الورد سكرا في اصائله
مرنح العطف في ريانه الثمل
حتى اذا لاح مصفر يغازلها
قلت المحب وهذا الورد في مثل
لما رايت خيول الشمس معجلة
ناديت مهلا بلا عدو بلا عجل
تحمل الركب من نفسي لبانتها
فانما الركب محمول به اجلي!
ويمكنا ان نقسم موضوعات شعره وفق مايلي:
اولا_القومية والوطنية وتشمل قصائدها ثلث الديوان قالها الشاعر في دمشق والمغرب الثائر وسد الفرات وذكرى المالكي وذكرى الوحدة وذكرى الجلاء والحير وامام اطلال الرقة
ثانيا_المراة والطبيعة وتشمل قصائدها ثلث الديوان ايضا قالها الشاعر في الوصف والتغزل والتامل من خلال مواقف كثيرة استلهمها او التعرض لها في تجاربه
ثالثا_الرثاء والاسلا ميات وسوى ذلك مثل قصيدة”محمد”و”طريق الخلائق” و”امان للانسان”..يقول الشاعر “ان قصائدي هي موافقي من الحياة ولكم عانيت الايام فلم اجد عونا الا في الشعر راحتي في قصائدي”
يقول الحسون في ذكرى الوحدة:
بني وطني اذا عشتم شعوبا
مفرقة المقاصد والرجال
غدا تنبيكم وهم الليالي
وقد فهت الصحيح ولا اغالي
فاما وحدة فيها حياة
واما ان نسير الى زوال
ويقول في قصيدة “الثأر”القول نفسه حول اهمية الوحدة العربية:هذي بلادي لو تضم ديارها
فتشد من ازر الديار ديار
ان العروبة ان توحد امرها
طاعت لها الافلاك والاقدار
لاشك ان شعر مصطفى الحسون يحتاج الى دراسة موسعة ولكنني اردت في هذه العجالة ان احي شاعرا اتباعيا مثابرا بعيدا عن اجهزة الثقافة ووسائل الاتصال بالجماهير .
#عبد الله ابو هيف#الموقف الادبي_1982
الشاعر مصطفى الحسون 1995_1928
اعماله:ديوان شعر غير مطبوع بعنوان”الجمال والبيان”
مؤلفات عن تاريخ الرقة”ثلاثة مجلدات”