#الرقة في ذكرى تحريرها.. مدينة مدمرة تُبنى من جديد
على عكس المناطق السورية المدمرة في مناطق سيطرة الحكومة ومرتزقة #تركيا، بدأت مدينة الرقة التي شهدت أعنف المعارك ضد #داعش، تُبنى بسواعد أبنائها وتكاتف عشائرها مع الإدارة المدنية، واليوم، وبعد مرور 3 أعوام على التحرير تسير الرقة بخطا سريعة نحو التطور.حررت قوات سوريا الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي ضد داعش، مدينة الرقة في الـ 17 من تشرين الأول عام 2017، من مرتزقة داعش بعد سنوات من العذاب عاشها أبناء المدينة على يد أشد تنظيم متشدد مرّ على العالم حتى الآن.
وفور تحررها، بدأت المدينة بنفض غبار معارك التحرير التي استمرت 166 يوماً، وذلك عندما نقل مجلس الرقة المدني الذي أسس في 17 نيسان عام 2017 مقره من ناحية عين عيسى إلى مدينة الرقة، ووضع مخطط عمل للجانه المختلفة من أجل إعادة الحياة إلى المدينة.
‘عقبة رئيسية أمام العودة والبناء’
ترك مرتزقة داعش والمعارك التي شهدتها المدينة دماراً كبيراً، ولكن الألغام التي زرعها داعش كانت تشكل أبرز الملفات التي تنتظر إعادة الحياة للرقة وأحيائها، إذ اعتبرت وقتها المدينة ملغمة بشكل كامل مع وجود 8000 لغم في مختلف أنحاء المدينة.
وهذه الألغام كانت تعرقل عمل مجلس الرقة المدني، لذلك في البداية تم إيلاء أهمية قصوى لإزالة الألغام، لأنها مع جانب الخلايا النائمة المختبئة بين الأنقاض، كانت تشكل أبرز الملفات التي يجب حلها ليستطيع المجلس القيام بواجبه ولتأمين عودة الأهالي.
وعلى هذا الأساس، استطاعت قوى الأمن الداخلي خلال الثلاث سنوات الماضية من تدعيم الأمن والاستقرار في المنطقة، رغم ظهور خلايا مختلفة الارتباطات بين الحين والآخر وسعيها إلى تعكير أجواء الأمان.
وفي هذا السياق أشار الإداري في قوى الأمن الداخلي بالرقة، محمود السيد، إلى أن الاستقرار الذي تشهده المدينة في الوقت الحالي مرّ بمراحل عديدة، بدءاً من إزالة الألغام بالتعاون مع الأهالي الذين كانوا يبلغونهم عن أماكن مشاهدتها، وصولاً إلى تعقب الخلايا النائمة لداعش ومؤخراً التابعة لتركيا والحكومة السورية.
‘العشائر العربية والإدارة المدنية’
تكاتفت العشائر العربية في الرقة مع الإدارة المدنية، وعملت على توعية المجتمع وتقريب وجهات النظر بينهم، وعرفتهم بالإدارة الذاتية بعد أن رأت فيها الحل الوحيد القابل للحياة في ظل وجود أطراف متعددة في سوريا وارتباطها بأجندات خارجية لا تخدم السوريين.
وفي هذا السياق، قال شيخ عشيرة السبخة محمد تركي السوعان “إن قوات سوريا الديمقراطية هي الوحيدة التي حمت المنطقة وحررتها في وقت تخلت عنها كل القوى الأخرى”، رافضاً أي وجود عسكري غير قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
هذا الالتفاف من العشائر العربية حول الإدارة المدنية، فتح الباب أمام الطبقة الشابة للانخراط في مؤسسات الإدارة المدنية وقوى الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطي، وهذا كان له دور إيجابي في إعادة إعمار المدينة رغم عدم وجود داعمين.
‘مدينة منكوبة يُعاد بناؤها’
ويسكن مدينة الرقة ما يزيد عن 300 ألف شخص بحسب أخر إحصاء أجراه مكتب التخطيط والدراسات والإحصاء في مجلس الرقة المدني منذ قرابة ثمانية أشهر، وتضم المدينة 151 ألف منزل تعرض 40% منها للدمار الكامل و 60% للدمار الجزئي أثناء معارك التحرير والتفجيرات التي سببتها الألغام من مخلفات مرتزقة داعش.
ولإعادة إعمار ما تعرض للدمار، بدأت لجان المجلس بترحيل الانقاض، إذ يقوم مكتب الخدمات الفنية بترحيل ألف م3 يومياً وما مقداره 25 ألف م3 شهرياً بجدوى اقتصادية تقدر بـ 65 مليون ليرة على نفقة المجلس المدني عوضاً عن دفعها من قبل الأهالي، بحسب ما أشار إليه رئيس مكتب الخدمات الفنية في مجلس الرقة المدني أحمد حجو.
ونتج عن ترحيل الأنقاض فتح جميع الطرق الفرعية والرئيسية داخل المدينة وعلى أطرافها، ويتم الاستفادة من تلك الانقاض في ردم حواف نهر البليخ وردم بعض حفر الطرق وإنشاء العبارات وإصلاح الجسور التي وصلت نسبة إنجازها إلى 60% ومن أهمها الجسر القديم الذي يربط مدينة الرقة بريفها الجنوبي وبطريق الرقة – حلب.
وبحسب المجلس، فإن العديد من الأهالي رمموا منازلهم خصوصاً المنازل الواقعة في الحارات الشعبية، وهي من المنازل التي تضررت بشكل جزئي وسمحت لهم البلدية بترميمها بدون الحصول على رخصة شريطة الحفاظ على شكل العقار قبل تضرره.
أما فيما يخص المنازل المدمرة بشكل شبه كامل والتي يرغب أصحابها بتغيير شكلها او إعادة بنائه من الأساس، بلغ بحسب البلدية 1722 طلب ترخيص.
وبالتزامن مع إزالة الأنقاض من الطرق وبدء ترميم المنازل المدمرة، بدأ العمل في صيانة شبكات الصرف الصحي في العديد من الأحياء مثل “الرومانية، الدرعية، الأكراد، الشعيب، الفرات، المأمون ووسط المدينة”.
‘الكهرباء تعود إلى المدينة’
وتعرضت البنية التحتية في مدينة الرقة للدمار نتيجة المعارك والألغام، ومن بينها شبكة الكهرباء التي كانت مدمرة بشكل كامل، ومع بدء عودة الأهالي إلى المدينة، كان على لجنة الطاقة والاتصالات في مجلس الرقة المدني العمل بسرعة أكبر لإعادة الكهرباء وسط إمكانات معدومة.
واستطاعت ورشات العمل إيصال الكهرباء إلى أحياء كاملة في المدينة مثل الثكنة ووسط المدينة، السور والبستان وشارع المنصور وحي سيف الدولة والمشلب والصناعة، في حين يستمر العمل على إعادة الكهرباء إلى حيي رميلة وشمال السكة وحي الجمعيات في الطرف الشرقي للمدينة مع الكورنيش الجنوبي للمدينة.
ولم يتوقف العمل على إيصال الكهرباء لأحياء المدينة، بل بدأت بلدية الشعب بمشاريع لإنارة الطرق، وفي هذا السياق تم إنارة طريق الـ2 كيلو الذي يبدأ من الجسر القديم وينتهي عند الساعة، مشروع الـ8 كيلو الذي يبدأ من باب بغداد مروراً بشارع هشام بن عبد الملك حتى دوار الإطفائية داخل المدينة ومن باب بغداد حتى المسلخ البلدي جنوباً.
وتم الانتهاء مؤخراً من مشروع إنارة شارع سيف الدولة البالغ طوله ألف متر، بالإضافة إلى شارع المحافظة بطول /1100م/ كما أن هناك مشاريع قيد الإنجاز تضمنت شارع النصر الممتد بين دوار النعيم وصولاً إلى دوار الدلة الواقع وسط المدينة، وتقاطع مشفى المحافظة حتى تقاطع مشفى الحجوان.
وأيضاً تعمل لجنة الداخلية في مجلس الرقة المدني على عدة مشاريع إنارة شوارع واقعة وسط المدينة منها شارع 23 شباط وشارع الوادي والأماسي وشارع تل أبيض والذي يعد الشريان الرئيسي في المدينة.
‘الواقع الصحي’
بعد تحرير المدينة، سارعت لجنة الصحة في المجلس المدني لإعادة المشافي والمراكز الطبية إلى الخدمة، وافتتحت مشفى الرقة الوطني الذي يستقبل حالات مرضية بمعدل 60 – 70 ألف حالة مرضية شهرياً، وتجرى فيه العمليات الجراحية، فخلال عام 2019 وحده أجري في المشفى 1286 عملية كبرى و3161 عملية صغرى.
وبعد افتتاح المشفى تم رفده بقسم الداخلية، وقسم الحروق الذي يُعتبر من الأقسام الضرورية، إلى جانب تجهيز قسم الطوارئ والجراحة والإسعافات وقسم الكلية الصّناعية الذي يستقبل 970 جلسة غسيل كلية شهرياً، إضافة إلى توفيره للقاحات التي تقدم لأمراض عديدة مثل اللشمانيا وشلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائي.
وتمكن القطاع الصحي من استعادة العديد من الخبرات الطبية كانت قد هجرت المدينة بعد سيطرة مرتزقة داعش، وجلبت العديد من الأجهزة الطبية التي كان عدم وجودها يشكل عائقاً أمام الأهالي ويستدعي السفر إلى مناطق أخرى مثل أجهزة “الرنين المغناطيسي والطبقي المحوري والتصوير الشعاعي”.
واليوم، تحوي المدينة ثلاث مشافي عامة وهي “الوطني، الأمراض النسائية والتوليد والأطفال، ومشفى الهلال”، إضافة إلى 6 مشافي خاصة والتي عادت للعمل بعد تحرير المدينة.
كما تم افتتاح عدد من المراكز الصحية والمستوصفات وصل عددها إلى 27 مركز ومستوصف موزعين على أحياء المدينة وقراها.
‘التعليم’
ومن التحديات الكبيرة التي واجهت مجلس الرقة المدني، هو ابتعاد الأطفال في الرقة وريفها عن مقاعد الدراسة لمدة 5 سنوات وخضوع العديد منهم لدروات شرعية على يد مرتزقة داعش، وعلى هذا الأساس باشرت لجنة التربية والتعليم منذ حزيران عام 2017 العمل على إعادة تأهيل القطاع التعليمي في المناطق التي كانت تتحرر الواحدة تلو الأخرى.
وبعد مرور ثلاث سنوات على التحرير، يشهد القطاع التعليمي نمواً ملحوظاً، إذ يبلغ عدد المدارس التي يتوافد إليها الطلبة في مدينة الرقة وريفها 394 مدرسة، حيث تم ترميم 90 مدرسة منها بشكل كلي، فيما تم ترميم 201 مدرسة منها بشكل جزئي.
ويبلغ عدد التلاميذ الذين يتوافدون إلى المدارس في العام الدراسي الحالي /119000/ طالب وطالبة، فيما وصل عدد المعلمين والمعلمات الذين يتبعون للجنة التربية والتعليم /4727/ يتوزعون على مدارس المدينة وريفها.
‘توفير فرص العمل’
لم يتنظر سكان الرقة كثيراً حتى يعودوا إليها بعد تحريرها مباشرة وليشاركوا مع الإدارة المدنية لإعادة إعمارها وينخرطوا في كافة المؤسسات، وعلى هذا الأساس أمنت لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في مجلس الرقة المدني ومن خلال مكتب التشغيل وظائف لـ 12700 شخص.
وكما أعطت اللجنة الترخيص لـ 108 منظمة في مكتب المنظمات التابع للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتي تقدم خدمات إغاثية للسكان كما تدعم المشاريع الصغيرة وتقيم دورات للفئات الشابة.
‘حركة اقتصادية’
بعد تحرير المدينة بدأ القطاع الاقتصادي يعود تدريجياً للحركة، إذ تم افتتاح عدد من المعامل والورش الصناعية والتي كان للاستقرار الأمني الدور البارز في افتتاحها، ووصل عدد المعامل المرخصة في اللجنة الاقتصادية في مجلس الرقة المدني إلى /86/ معمل حيث رخص أول معمل بتاريخ 31-3-2020 ولا تزال ملفات الترخيص تقدم للجنة الاقتصادية مما يظهر المؤشر التصاعدي في ازدهار الحركة الاقتصادية، وتتنوع المعامل بين معمل البلاستيك ومعامل المنظفات ومعامل المواد البيتونية.
ولم يقتصر التطور الاقتصادي على المعامل، بل شمل أيضاً القطاع الزراعي والذي يعمله فيه غالبية سكان المدينة، إذ ازدادت المساحات المزروعة والمروية بعد صيانة شبكات المياه وإعادة تشغيل مجفف الذرة التي ينتشر زراعتها في الرقة بشكل كبير.
‘جثث مجهولة’
وتنتشر في مدينة الرقة وأريافها 27 مقبرة جماعية أنشأها داعش أثناء احتلاله للمنطقة، وفي هذا السياق تمكن فريق الاستجابة الأولية الذي أسس في أيلول عام 2018 من انتشال آلاف الجثث منها، فيما ما تزال هناك مقابر مجهولة لم يتم التعرف على أماكنها بعد.
وانتشل فريق الاستجابة الأولية ما يقارب 6070 جثة، تم التعرف على 700 جثة فقط.
ونتيجة توقف دعم التحالف الدولي للفريق، خاصة الدعم والمساعدة الفنية في انتشال الجثث وتحديد هوية الضحايا الذين قتلوا على يد مرتزقة داعش، أوقف الفريق عمله.
‘إفشال الرهان الخارجي’
بعد هجمات الاحتلال التركي على مدينتي سريه كانيه وكري سبي/تل أبيض في 9 تشرين الأول من العام الماضي، بدأت الخلايا النائمة بالظهور مجدداً في المدينة، وهذه الخلايا بعضها كان مرتبطاً بداعش وبعضها الآخر بتركيا ومرتزقتها في الجيش الوطني، وبعد انتشار قوات الحكومة السورية برفقة القوات الروسية على الشريط الحدودي مع تركيا عقب الاتفاق بين روسيا وتركيا في 22 تشرين الأول 2019، ظهرت خلايا نائمة تابعة للحكومة السورية، وجميع هذه الخلايا سعت إلى ضرب الأمن والاستقرار في الرقة وتمرير الأجندات الخارجية.
واستهدفت هذه الخلايا النائمة، شخصيات سياسية ورؤساء العشائر وأعضاء المؤسسات المدنية ضمن المجلس المدني.
وفي هذا السياق يقول الرئيس المشترك لمجلس الرقة المدني محمد نور الذيب، إن العديد من الجهات خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية لعدة مرات الانسحاب من مناطق شمال وشرق سوريا راهنت على فشل مشروع المجلس المدني أو تسليم المنطقة لجهات أخرى وخاصة إلى الحكومة السورية وحدوث حالة من الفوضى، إلا إن تمسك العشائر وأبناء المنطقة بهذا المشروع ورفضهم القطعي لأي تدخل خارجي، أثبت العكس.
وأشار محمد نور إلى أن المجلس المدني واصل أعماله في تقديم الخدمات للأهالي، مؤكداً أن أبناء الرقة أثبتوا للعالم أجمع بأنهم تحملوا مسؤولية تحريرها من مرتزقة داعش وهم من يديرون مدينتهم بأنفسهم ولن يسلموها لأي جهة أخرى.
وأكد على اللحمة الاجتماعية الموجودة في المجتمع ودور الأخير في الحفاظ على هذه الإدارة، ولفت إلى الدور الكبير للأهالي في كشف الخلايا التي تحاول خلق الفوضى والفتن بين أطياف المجتمع.
وأوضح محمد نور أن النظام السوري حاول مراراً خلق الفوضى في المدينة عبر خلايا من خلال القيام باغتيالات واستهداف الشخصيات القريبة من الإدارة الذاتية، إلا إن الشعب كان واعياً لتلك الألاعيب ولم ينجر خلفها، وبالعكس فإنهم أعلنوا رفضهم لتلك الأعمال.